الأربعاء، 9 أغسطس 2017

مونولوج (3)

لماذا يعتقد الموهوبون قليلًا أنهم مميزون كثيرًا عن العاديين جدًا؟ لكل منّا ما يميزه. هذا طبيعي، وهو ليس ما أفكر فيه الآن.
أنظر كثيرًا إلي السماء وأفكر... أرغب في أن أصبح عادية جدًا ولو لبعض الوقت.
 أريد أن أحظي بالفراغ الذي يملكه البعض، لأنهم لايفضلون قراءة الكتب أو مشاهدة الوثائقيات. لا يفتقدون مارتن سكورسيزي أو محمد خان، لا يشغل بالهم ما سوف يقوم به كريستوفر نولان في فيلمه القادم. فيظل يومهم فارغًا.
وأتمني أحيانًا أن تكف الكلمات عن زيارتي، فهي تأتيني غير مرتبة، في أي وقت، وأحيانًا في أوقات غير مناسبة. فأحاول تذكر ما أستطيع منها، لكي أرتبها لاحقًا علي هيئة نثرٍ أو قصة. وياللعجب، يثني عليها البعض! رغم معرفتي سبب هذه الزيارات المتقطعة.
طريق هذه الكلمات إلي لساني مقطوع دائما. لا أعرف كيف يمكن للناس أن يجلسوا معًا، ويتحدثون قليلًا... فيتخلص كل شخص من أعباء مشاعره ببساطة! انا لا أملك هذه الموهبة.
عندما تأتي أوقات العمل والدراسة، لن أتذكر شغف طه حسين بدراسته الذي يستفزني ببينما أنظر أنا إلي كتبي باشمئزاز. ستفقد الأفلام قدرتها علي إسعادي وأنا محبطة. لن أعاقب نفسي أو أعنفها لفظيًا. فقط لن أملك إلا أن أدرس، فأدرس! هكذا فقط. عندما أشعر بالملل، فقط أفتح الفيس بوك، أشاهد بعض أخبار الموضة أو المقالات العلمية، لكنن دون تدقيق، ولن أجد ما يحزنني، فبالتأكيد لن أتابع الأخبار العالمية أو الحوادث أو جرائم العنف ضد الأطفال! كلام فارغ ومن يتابعه هم جماعة من الحمقي!
سأنظر لمن يستطيع كتابة الشعر أو القصة أو العزف أو الرسم كشخص مميز. لا أعرف ما الذي يعانونه لكي يخرجوا بعضًا من ذلك الإنتاج لأني لا أهتم. لكنهم مميزون بطريقة ما.
هناك من يستطيعون جمع التفوق الدراسي مع الهوايات الكثيرة، لكن بعد محاولات بسيطة، وربما يأس مجحف، أري أن عقلي، وإن كان يستطيع استيعاب من كتابات ستيفين هوكينجز الشئ الكثير، فهو لن يستطيع أن يمشي علي خطاهم. ولكن، إن أردنا الحديث بصدق، فعندما أبحث عما يمنعني من تحقيق رغبتي الساذجة التي سبق شرحها، أجد أنني سأحمل عبئًا كبيرًا إن لم أكتب، ووحدة لا تحتمل إن لم أقرأ أو أشاهد فيلمًا. وأن ما أتخذته من وسائل للدفاع عن نفسي أو لتمضية وقتي وبث مشاعري في هذه الحياة كانت طريقتي الوحيدة لمواكبتها والاستمرار فيها دون انتكاسات كارثية، بقدر المستطاع.
لكل منّا طريقته الخاصة، حتي وإن كانت عادية...
وبينما يستمر تحديقي في السماء، أدرك أن شخصًا عاديًا لن يجد في السماء شيئًا يستحق النظر إليها كما أفعل الآن.

الجمعة، 16 يونيو 2017

مونولوج (2)

أنا أعرف ما يحدث جيدًا، أعرف الحالة التي تعتريني. حتي أني أعطيتها اسمًا:"متلازمة ما بعد الانفصال".
مرت سنة، ومازالت الأفكار في ذاكرتي يقل عددها وتزداد شدتها. سابقًا، كانت تتزاحم خواطري لتتخيل حياة كلٍ منّا دون الآخر، ولتحاول أن تعزيني بأن هذه الوحدة قدر، كوجودنا في هذا العالم الحزين، نستطيع تقبله والتعايش معه. أما الآن لا توجد خواطر، فقط أفكار مزعجة صامتة ثقيلة لا تتحرك ولا ترحل، تنشر ظلالًا من الاكتئاب في عقلي. أنا بالتأكيد، لم أعد أحب. ولكن لم أتوقع أن يظل الصمت القاتم في عقلي بهذه الشراسة، مقاومًا لكل أضواء السعادة والبهجة التي تملأ الأجواء أحيانًا. كأنه يبتلعها بداخله ويخفيها في مكانٍ ما، أكثر رعبًا، فلا تعد موجودة علي الإطلاق كأنها لم تكن.
يجعلني الحزن والظلام أتذكر بعض الأحداث التي حاولت تناسيها، لكن عقلي رفض.
أتذكر الآن أمي عندما قالت لي في مناسبة: "أنتِ يا ابنتي تحتاجين إلي الحب. قد فشلتِ في كل صداقاتك. وضاقت بكِ الدنيا وستضيق بكِ أكثر من دوني... وتترككِ وحيدة تقاومين الحياة..."
لم اقتنع وقتها؛ لأني أردت الحب لكي أكون سعيدة، لا لأني فاشلة في صداقاتي.

كنت أود أن أنهي هذه النقطة بقول أن أمي كانت محقة، لكنها لم تكن أبدًا محقة في هذه الشؤون: الوحدة والحب.
وقد رزقني الله بعدها بأصدقاء، لكني لم أنعم بحب سعيد، لم أرَ من الحب إلا الشقاء.

لكني أحيانا أفتقد هذا الشقاء...
طبيعة الانسان –عزيزي القارئ- لا تساعده أبدًا. فبينما أحاول أن أنعم بآدميتي في حياة حرة كريمة دون ألم، تزورني رغبة قوية في أن أتمتع بآدميتي ككائن اجتماعي، حتي وإن كلفني هذا الكثير من الألم! هذه الحقيقة تدفعني للضحك بشدة أحيانًا.

العُزاب يشتركون مع  المحبين في أمر غريب، وهو أنهم يحسنون الشعور بما يكِنُّه الآخرون من تطلع وامتنان وود تجاههم. من أصدقاء وعائلة ومحبين آخرين. هم يشعرون بالحب يغمرهم من كل مصدر... وإن كان بسيطًا.
أما أنا فلا أشعر بشئ...
 كمية الحب الذي أحتاجه أنا ممن حولي لكي لا أشعر بالحزن كجرعة الدواء، قد زادت من مصدرٍ ما، فلا استطيع الاكتفاء بما هو أقل، ولا أحتمل أن تزيد. لذلك، فقد الكثير ممن حولي قدرتهم علي إسعادي. لم أعد انتظر من أي شخصٍ أي شئ، لكن أعاني كبدًا شديدًا إذا لم تمر بي كلمة تؤنسني من وقت لآخر، وأكون في شوق واحتياج دائم لأي عبارة حب.

كلما حاولت الهرب من هذ الحالة العصيبة، أصابتني نوبة من الهيستيريا، يليها تعب مزمن يصل إلي حد الانهاك أحيانًا. كأن التفكير يجعلني أنظر إلي نفسي بمزيج من السخرية والشفقة والتردد، والمحاولة تصيب جسدي بالعلل.

إنني أدفع ثمن تجاهلي لحقيقة أن الناس تقترب وتبتعد وترحل وتموت، ولا يبقي لنا إلا ما استطعنا الاحتفاظ به من معانٍ ومشاعر، تكفي لحمايتنا من ظلام عقولنا وثقل أفكارها الكئيبة.