أنا أصرخ صرخات مكتومة، من ألم أسناني
أحيانًا، ومن ألم القولون أحيانًا أخري.
يصرخ صاحب المكان في غضب "نعملك ايه
يعني؟" ويلومني لأني أتألم، لم يذق ألأمًا مبرحًا منذ أن أصيب ببعض البرد منذ
شهور، أخذ ينطق بالشهادتين ويتآوه. وقفنا بجانبه وقمنا باللازم. بعدها بشهر أصبت
بالتهاب في العصب الخامس بسبب أسناني، فصب جمام غضبه عليّ لأني أبكي وأنا كبيرة
هكذا، بينما كنت أصارع الألم بأكياس الثلج والمسكنات وأطلب مقابلة الطبيب منذ ساعات.
لم يتذكر الأخ الكبير، الذي يراقبنا، ويقصينا
ويحرمنا من نعيم كلماته الدافئة حين نخطئ ، أنني منذ أقل من عام، أصبت بإلتهاب
معوي ثم إلتهاب كبدي، وكنت أذاكر وأذهب للامتحان. حقاً إنني لمدللة.
أسمع "معلش" خافتة تتهادي من بعيد، بينما
لا ترفع صاحبتها ناظريها إلي. فهي تخشي الأخ الكبيردائمًا، فتتركني له عند
الشدائد، فيحطم مني قدر ما يستطيع، وتأتي لتشاركه في إلقاء اللوم خوفًا ورهبةً منه.
هناك ظل بعيد لشخص يراقب، وأسمعه يسخر من الموقف. آخر مرة سمعته يشكو، حسبته طفل
مصاب باللوكيميا، ثم علمت أنه كان يعبر عن ضيقه لأن الجوع بدأ يغزو معدته ولم
يُحضَّر له شيء يأكله.
ولكني دائمًا أري المرأتان الواقفتان هناك، وسيأتون
لمساعدتي حين يرحل البقية، لأنهن إن ظهرن الآن، سيلحقهن من التحطيم ما هو أشد.
والآن، يجب أن أقف وحدي. أتذكر أن ذاكرتي
السمعية سيلتصق بها كلامهم لفترة طويلة، فألعن حظي.
يتعجبون مما يظهر من حزني، فلا أرد. يزداد عبوس
وجهي فينفرون مني أكثر... وأقول لنفسي: نحن في مكان لا نسمع فيه إلا لغو الوهابية
ولغط الألفاظ والاتهامات، لا تقال هنا "شكرًا" أو "ألف سلامة"
إلا في الخفاء أو حين يهنئ بال أحدهم قليلًا، كأننا في مخبئ تحت الأنقاض، يهتم كل
امرئ بالاختباء من الحرب القائمة أعلاه، ويخفي ذاته تحت عباءه من الغلظة وسوء
الظن، والتوتر والقلق أحيانًا.