الثلاثاء، 21 أغسطس 2018

أمي.. هذا الصباح


لامتني أمي هذا الصباح لأني لم أقل " صباح الخير"، ولأني لم أتمني لها عيدًا سعيدًا اليوم...

حاولت أن أشرح لها أني في الواقع أتحدث بصعوبة، أخجل وأتلعثم ولا أرتب كلماتي، وأشكك مائة مرة في قبول من هم أمامي لي قبل أن أنطق، وخصوصًا أهلي، فقد أظهروا الكثير من عدم القبول أو الصفح قبلًا. وأخبرتها أنني لا أري مشكلة في ذلك، فالناس يختلفون في شخصياتهم.
ثم حاولت أن أخبرها أنني كنت علي وشك أن أتمني لها عيدًا سعيدًا لولا أني وجدتها منشغلة.
لم تصدقني، ورأت أن كلامي متناقض. أردت أن أقول: "هو غير مرتب، لكنه ليس متناقضًا يا أمي..."
لامتني أمي هذا الصباح لأني لم أقل " صباح الخير"، فاختصرت حياتي كلها في يوم واحد، كنت أشعر فيه ببعض الخجل.
علقت علي دفاعي عن تباين الشخصيات بــ "أني كبرت علي هذا الهراء الذي أقوله، وأن كون الفتاة منطوية يعني أنها مصابة بقصور في النمو أو مريضة مشلولة غير مهمة ولا يجب أن يُنظر إليها حتى..."
فلم أفهم، هل يعني هذا أن حياتي كلها كانت هراء؟ هل اعتُبِرَت كل الحكايا والمحادثات التي كنت أعبر فيها عن شعوري غير مهمة وغير صحيحة؟ وكل شكواي وأفكاري التي بُحت بها ذهبت أدراج الرياح؟
كلنا نخطئ بالطبع، لكني لا أذكر أني كنت أخطئ لهذه الدرجة من الهذيان!
قالت " لقد كنتي أفضل أثناء المدرسة الإعدادية..."
لم أرد، فهذا هو الهذيان بعينه، لقد كانت حياتي المدرسية لا تطاق، كنت أنكب علي المذاكرة والقراءة بسبب عجزي الشديد عن الإختلاط بأي شخص. وكانت تلومني علي ذلك أيضًا.
وفي بعض الأيام كنت أحكي معها بالساعات عن أحداث اليوم حين يكون يومًا حافلاً مثلًا، أو عن نظرتي النسوية بعض الشئ أو عن أرائي عن الأديان والمعتقدات، والتي كانت تقسم لي كل مرة أنها ستنمحي، لكنها ازدادت رسوخًا. كنت أحكي معها لأنها لم تكن تحكم علي، وظننت أنها تتقبلني، لكنها لم تكن قد أصدرت أحكامًا بعد لاعتقادها أنني سأصبح كما تريد، فلم أصبح، فعجزت عن تقبلي. وفي السنوات التي تلت ذلك، عجزت عن تقبل نفسي أنا أيضظصا، واستطعت مؤخرًا تقبلها بصعوبة بالغة.
قالت "أخوكي يحكي مع فلان، وأختك تحكي مع فلانة، وأنا كلمت خالاتي، وكذا وكذا وكذا"
لمَ المقارنات؟ ءأنا وإخوتي توائم روح؟
بالإضافة إلي أن: أخي لا يطيق الخروج من غرفته إلا حين يذهب خارج المنزل، وأختي لا تتحدث تقريبًا لأن خجلها لا مثيل له، وخالتكِ مريضة بالسرطان، إن لم تحكِ معها اليوم فربما لا تجدينها غدًا! لم تجعلين من الحقائق صلصالًا، فتحولينها من أشكال بائسة معبرة عن واقعنا إلي أصنام متبسمة المنظر؟ ( رغم أنها هشة الهيكل بشكل فاضح!)
دائمًا أريد أن أقول، لكني أفكر وأصمت، لأنني أعلم أني سأجد استهزاءً فقط. ولن تصدق حرفًا مما أقول. ستصدق فقط في حالة قال لها طبيب أو بالأحري شيخ ما: " لقد سببتم لابنتكم تدميرًا لا يمكن إصلاحه..."
لامتني أمي هذا الصباح لأني لا أقول " صباح الخير" ولأني لم أتمني لها عيدًا سعيدًا اليوم، فدمرت جذور البسمة التي رسمتها على شفتاي بصعوبة. وكانت تلك البسمة آخر محاولاتي للحفاظ علي بعض البهجة خلال هذا العيد المزعوم.