الاثنين، 26 نوفمبر 2018

الأفعى... والنبيذ


جلس بجوار سريره متأملًا ضوء الصباح المتسلل من النافذة القريبة، وامتزاجه بالإضاءة الداخلية الخافتة...
يظهر له الآن اختياره الموفق لهذه الدرجة بالذات من الأحمر للستائر وأغطية الفراش، فقد صنع لوحةً كلاسيكية فريدة: كنبيذ منسكب على جسد الفتاة الخمري.
سأل نفسه: "ماذا عليه أن يفعل ثانيًا؟ أيدفنها أم يلقي بها في مكان ناءٍ؟"

هذه تجربته الأولى مع مراهقة...لكنّه انتقاها هزيلة البنية، بلهاء المُحيّا، كي يسهُل التخلص منها. رغم ذلك، أخذ يتساءل: "هل يخفي هيكلها الضعيف هذا... شيئًا من القوة؟ هل ستقاومه؟"
لم تلحظ أصابعه ليلة البارحة أي كتلة عضلية أثناء مسحها لجسم الفتاة.
"الاحتياط  واجب.."
هل يحتفظ بها؟ لا، هذه فكرة سيئة. إن أفاقت، فستصرخ بلا انقطاع، أو ستحاول الهرب. ثم... ماذا لو ماتت؟ هو لا يفقه شيئًا عن التحنيط!
"ولِمَ العناء؟!"

ارتدى معطفه وعويناته الطبية، ثم حملها إلى فناء المنزل: بيت جده الواقع على أطراف القرية –لحسن حظه- لا يمر بجانبه أحد قبل الظهيرة  في غالب الأحيان.
داهمه الوحل الذي يغمر كل شيء. ثم تذكر ما سمعه في نشرة أمس عن السيول.
تذكر الطفلتين السابقتين...
خبأهما تحت هذه الأرض...
أخذ يلوم نفسه... فالأطفال أقل وطأة.
قال بغضب: "كان من الممكن أن ألقي بها في ترعة ما، فيجرفها التيار... فقط لو أنها أصغر حجمًا...!"

زارته بغتة مشاهد من الأمسية الفائتة، كم أمتعته هذه التجربة الجديدة!
"الأطفال مزعجون جدًا، وبكاءون ومراوغون. مثل هذه الأمور تحتاج إلى الهدوء..
ببعض من الأفيون، استطعت جعل فتاتي حبيبة وديعة، وبقليل من السائل الأحمر المختمر، مُحيت ذاكرتها، وشاركتني اللذة دون أن تشعر".
قد آمن هو، منذ زمن ليس ببعيد، بأنه أحق بالمتعة من أحمق سيمر فوق هذا الجمال، فيشوههه ويفنيه ببلاهة.

الثلاثون كيلو جرامًا المحمولين على كتفه خسروا الكثير من الحرارة.
"إنها متجمدة..."
مرت أول سيارة على الطريق القريب مسرعة، فأصدرت صوتًا يشبه السوّط المنطلق، فارتعشت أوصاله، وطقطقت أسنانه..

استقل سيارته إلى الجبل القريب، حيث سيلقي بها...
بينما ينبسط أمامه الطريق متواطئًا، شرع يفكر فيمَ ستلقاه بين تلك الصخور الموحشة.
"مخالب الخفافيش.. وأسنان المفترسات..."
تنهد بحزن: "خسارة.."
حين وصل إلى النقطة المنشودة، أخرج من السيارة سجادةً، وقام بفردها، ثو وضع الفتاة شبه المتصلبة على أحد طرفيّها، ولفها بعناية.
"هل تحول الخيوط المتشابكة بينها وبين وحوش الليل؟"

كلما حاول الابتعاد، تباطأت قدماه وتشبثت بالأرض، لا يعرف لذلك سببًا... صوت داخلي يأمره بالعودة فورًا. لم يسبق له أن توانَ أبدًا عن التخلص من شريكة، ماذا دهاه؟!

"هذه هي كليوبترا في سجادتها!!  فلِمَ تكون الثعالب والضباع هي القيصر؟"
قَفَل عائدًا إلى الجثة، سيعيدها إلى المنزل ويواريها في التراب قرب سابقاتها ... بجانبه .

رأى الفتاة، فأحس بحنين نقي لم يختبره  قبلًا، كأنه على موعد مع حب حقيقي...
هرع إليها... تعثر... سقطت نظارته. وعندما هم بالقيام، لمح ما يتلوى مقتربًا... خُيّل إليّه أن فتاته ستقوم من مرقدها. غمرته  فرحة، ومدّ إليها يده...
سمع فحيحًا -على غير توقعه-، ثم انقض الهيكل الراقص على ذراعه...
شعر بألم متفاقم، كصدىً مزعج يستمر في الازدياد والارتفاع. اِستل سلاحه الزجاجي الذي انكسر أسفله... ووضعه فوق أنفه... وفي اللحظة التي اتضَّحَت فيها الرؤية، رأى في ساعِده ثقبين ينزفان. ولدهشته... ظهرا كما لو كانا ينظران إليه باستهزاء.


الاثنين، 12 نوفمبر 2018

رسالة من صديق



"عزيزتي...
فلتلتمسي له العذر...
ولا أنصحك بأن يكون هذا العذر هو انشغاله أو دراسته، بل أنه لا يفكر بكِ بقدر ما تتوقعين، وأنتِ بالفعل لا تستحقين.
إني لا أنفك أن أتساءل منذ قرأت رسالتك... لِمَ تتوقعين أنكِ بهذه الأهمية؟
أعلم أنكِ حاولتِ الكتابة لي دون أن ترثي ذاتك، ولكن دعينا نعبث ونتهكم قليلًا.
فكما تعلمين، أنا أعشق الكوميديا السوداء...

سوف أستخلص –لأجلك- الحدث الفارق في قصتك، وأوضح لكِ مدى بلاهتك بشكل لا جدال فيه!

جلستِ وحدكِ كالعادة في ذلك المقهى، وكان هو هناك... وحيد أيضًا، ولكن في ركن آخر. بعد برهة، جاء إلى طاولتك وتبادل معكِ حديثًا طويلًا... "محادثة غير مملة رغم ما استنفذته من وقت... حميمية وغير متكلفة" حسب وصفك...
كأنكما فنجانا قهوة كتب لهما البقاء إلى الأبد... معًا.. على رفٍ ما...

نسيتِ - يا حلوتي – أن الخزف ينكسر في النهاية!

أخذ يسرد لكِ تفاصيلًا عن حياته: سقطات وذكريات وحب قديم. فظننتِ أن علاقتكما توطدت، وأضحت صداقتكما حقيقية لا افتراضية.
أقدر ذلك وأتفهمه...
ما لا أستسيغه أبدًا هو شعورك بالتميز بعدها...
لِمَ افترض دماغك الخاوي أنكِ كنتِ المختارة تلك الليلة ليعبر لكِ عن عبثية حياته؟ وبافتراض أنكِ مختارته حقًا، لمَ لَمْ يكرر الفضفضة؟

هل سألتِ الجميع ووجدتِ أنكِ ناصحته الوحيدة؟ بالعكس! أنتِ آخر من عَلِم! ولَمْ يطلعكِ على أي خبر جديد!
إنكِ تعرفين ذلك حق المعرفة.

سأسرد لكِ الوقائع كما هي:
ملّ القراءة، أو أيًا ما كان يفعل. شعر برغبة لحظية ومُلحة في الكلام، فبدوتِ له للّحظة أفضل من يساعده لسد تلك الحاجة! رأى أذنيكِ تصغيان وعينيك تستجيبان لضحكاته وحزنه. كمسافر عابر مر بحانة.. فتسكره الخمر، ويروي قصصه للساقي المسكين.
هو لا يرى فيكِ أمانة أو خصلة فريدة ترفع من قدرك فوق الآخرين، فقط... كنتِ ساقيته في سهرة مرهقة.

عليكِ أن تستوعبي حقيقة الأمر، وإلا فبئس الحمقاوات أنتِ!
يكفي ما طاردتِ من أوهام، وما سكبتِ من دموع على عتبة كل زائر.
فلتتوخِ الحذر... والرحمة بعقلك الضعيف.


تحية
ت".