الجمعة، 13 مارس 2020

ناصرة

"وُلدتِ ليلة الجمعة، وهو يوم مبارك... اختاره الله ليكون عيدَ كل أسبوع. واسميتك (ناصرة) حتى تنصري  المستضعفين، كما ارتفع عبد الناصر بشأن الفقراء، ولتُصبحي منصورة في حياتك يا بنيتي..."

لم أرَ يا أبتِ أية بركة في حياتي القصيرة، إلا إذا كنت تعتبر إرثي من أرضك غنيمة!
نعم، فقد تركتَ لي مساحاتٍ واسعة، ولم أستطع الإستفادة بها، فأحلتها – دون قصد- إلى صحراء جرداء.
أمضيت خمس سنوات لا أناجي إلا الأرض البور تحت قدماي... وقلة الحظ ونفاذ العافية.

أمازلت تحب عبد الناصر؟ هل التقيت به؟ هل أنتما في الجنة معًا؟
أم تطلُ عليه من نافذة مورقة... بينما يحترق هو مستغيثًا؟

هل تسنى لك أن تخبره عن قصتك مع إخوتك؟ كادوا يقاطعونك ويحرمونك من نصيبك في تركة الجد لأنك لم تغير رأيك فيه، ومضيت تدافع عنه، رغم ما حل بكم بعد الإصلاح الزراعي...

لولا خشيتهم من الفضيحة وألسنة الناس لتركوك بلا مال...
ربما قتلك أحد أولاد عمومتك، لكنهم خافوا أن يكون لك ولد فيأخذ بالثأر...
لم يتوقعوا أن تنجب بنتًا فاشلة، أحط شأنًا من أنكر خلق الله...

أتمنى أن ألقاه يومًا فأسأله: لِمَ خدعت الفقراء؟
حسبوه القائد والحامي...
لا أدري كيف غرقت فكرة الموت في النسيان! تغاضوا عن كونه بشرًا سيفارقهم..
وبالفعل، أتي غيره، فمزق عقود الملكية، وأعاد المنبوذين إلى الهامش، قبل أن يتمكنوا من شراء بيت ذا سقف.
اعتمد عليه الناس... رسموه، وحرَّموا على ذوييهم إزالة صوره.

أعود إلى البيت، أفتح الباب، وأول ما أراه هو لوحتين بالكروشيه أعدّتهما أمي. واحدة لعبد الناصر والأخرى لك، كقديسيّن.
2019 تقترب، ولم نتخلص بعد من ممثلي البلاهة، القائلين "لو كان عبد الناصر هنا لعَمَل... لو كان مكانك لسوّى..."
لقد كان هنا بالفعل، ولم يستطع إنجاز الكثير. تمتع فقط بحضور طاغٍ ومستمر.

مر على وفاتك عشر سنوات، وأنا في الأربعين من عمري، وحيدة، بلا زوج أو أولاد.
أين ابن عمي الذي قلت ستزوجني له ليرعاني ويعمر الحقول؟ ومعارفك ونفوذك؟ وكل ما كنت اتكِّل عليه في حياتي الماضية؟

تركت المدرسة لأتزوج ولم ألقَ إلا الترمل. قلت ستعوضني، وحين لم تستطع، قلت "عوضك على الله.."

تركني الله أيضًا يا أبي.

بالأمس، اكتشفت أن الديون لا تأكلني وحدها...
بل انضمت إليها كُتلة حقيرة غير مؤلمة، وجدتها في صدري بينما أستحم. لم أذهب إلى المستشفى لأجلها، بل لأني وجدت الجلد المحيط بها منسحقًا ومكرمشًا... وملعونًا.

لدي لك الآن خبر أخير...
سأذهب غدًا لتغيير اسمي...
سأجعله (وردة) أو (باتعة) أو أي شيء لا معنى له.. لقد تعلمت الخدعة، لا نصيب لانسان من اسمه، بل العكس تمامًا هو ما يحدث:
فلن تجد إلا (كريم) البخيل، و(صابر) الحانق، و(راضي) الجاحد...
فكرت في (حزينة)... أليس مبالغًا فيه؟

عليّ الآن، أن "أتمسك بالأمل" كما قال الطبيب، وأن أقدم إلتماسات وأطلب مساعدات، كما لم أفعل من قبل...
ليتك علمتني أن أعمل لأجل نفسي... ها أنا أموت كما عشت... عالة.

ما أتمناه حقًا، بعد أن أواجه الأشهر القادمة بشجاعة وأنجو، أن تزورني في حلمي... وتقول: "نصرتِ نفسك يا بُنيتي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق